قد كان خبر انتحار أحمد محمد مرسي ، التلميذ
بالصف الأول الإعدادي بالعامرية بالإسكندرية، شديد القسوة علي قلوب كل من
قرأه، وخصوصاً أولياء الأمور، وعندما نقرأ تفاصيل الانتحار، والمجهود الذي
بذله أحمد في البحث عن حبل، ومكان يربط فيه أحد طرفي الحبل لكي يكون
الطرف الآخر ملفوفاً حول رقبته، يتبادر للذهن فوراً سؤال، ما هي الأسباب
التي تجعل طفل عمره 12 سنة يفكر في التخلص من حياته؟، بل ويدبر كل هذه
التدبيرات لتنفيذ ذلك فعلاً، من الذي يوصل أطفال مصر ومستقبلها للتفكير في
أن الحل في التخلص من الحياة؟. وعندما تتحدث الجرائد عن أحمد تخلص من
حياته لأنه لا يريد الذهاب للمدرسة، فإن هذا يجعلنا نقف ونفكر، ماذا يحدث
في مدارس مصر حتى أن أطفالنا وفلذات أكبادنا يفضلون الموت علي الذهاب
إليها؟؟!!
فتحت المدارس
أبوابها لاستقبال 17 مليون تلميذ (ضمن 20 مليون طالب وطالبة سواء في
المدارس أو الجامعات) منذ أسبوع واحد فقط وكل يوم نقرأ ونسمع العجب
العجاب، ففي بور سعيد نجد طالب يطعن مدرس، ونجد مظاهرات في أكثر من أربعة
محافظات من الآلاف من أولياء الأمور، الذين يعاني أبنائهم من الانتقال رغم
عنهم لمدارس تبعد كيلومترات عن مقار سكنهم، في الغربية والسويس وغيرها
من المحافظات، وضمنهن بنات صغيرات، ووجدنا تلاميذ حرموا من أن يتسلموا
كتبهم مثل بقية زملائهم لا لشئ سوي لأن أهاليهم لم يستطيعوا دفع مصاريف
المدارس في الأيام الأولي للدراسة، بل أن الأمر وصل في بعض المدارس لطرد
التلاميذ اللذين لم يستطيعوا دفع المصاريف من فصولهم ومن مدارسهم، مثلما
حدث في محافظات بني سويف وبورسعيد، وقنا، والمنيا، وغيرها.
هذا
بخلاف أكوام القمامة التي تحاصر المدارس، والتي يكون الحل للتخلص منها،
هو إشعال النيران في هذه القمامة، مما يعرض التلاميذ لسحابة دخانية تملأ
المكان ربما لعدة أيام، وهذا مشهد نجده في كل الأحياء الفقيرة في مصر كلها،
منها مدارس إمبابة، وبولاق الدكرور،….
هذا
بخلاف الحوادث الأليمة التي يتعرض لها التلاميذ اللذين يضطرون لقطع عدة
كيلو مترات يومياً للوصول لمدارسهم، وفي كثير من الأحيان يذهبون مشياً علي
الأقدام خصوصاً في القري، وإن وجدوا وسائل مواصلات فهي غير آمنه، فقد لقيت
أسراء عبد الله والتي تبلغ من العمر 14 سنة في الأقصر مصرعها، وأصيبت 4
من زميلاتها في حادث سيارة.
بهذا
الشكل نجد أن مدارسنا التي وصل التكدس فيها لأكثر من 60 تلميذ في الفصل،
أصبحت منفرة وكريهة فلا مدارس وفصول آدمية، ويتعرض التلاميذ فيها للأهانة
لا لشئ سوي لأنهم فقراء، ويقضون ساعات يومياً في مدارس قذرة ليس بها
حمامات نظيفة، بل محاطة بالقمامة كريهة الرائحة، والمسببة للأمراض، وعليهم
بعد كل هذا أن يتحملوا مشقة الوصول إلي هذه المدارس حتي لو كلفهم ذلك
حياتهم، وبعد كل هذا فهم لا يتعلمون في هذه المدارس شئ، لأنه لا يوجد
مدرسين يعلمونهم، ولا كتب تؤدي لهم الخدمة المطلوبة.
وبدلاً
من أن تفكر الحكومة، والوزارة المختصة في مشكلة تخلف التلاميذ عن الذهاب
للمدارس، بالتفكير في المشكلات التي تتسبب في هذا التغيب، وكيفية حلها،
فإنها تفكر تفكير أمني، فنقرأ عن وضع أسلاك شائكة حول أسوار المدارس لمنع
الطلبة من الهروب منها، ووضع الفصل كجزاء للغياب، فقد أصدر أحمد عبد
المجيد
وكيل وزارة التربية والتعليم ببورسعيد قراراً إدارياً بالفصل النهائي لأي
طالب يتجاوز نسبة الغياب المقررة قانوناً والتي تصل إلى 15 يوماً متصلة
أو 30 يوماً منفصلة.
والمركز
المصري للحق في التعليم، إذ يدين السياسات التي حولت مدارسنا لسجون، يفضل
معها أبنائنا الموت علي الذهاب إليها، يطالب بالتحقيق في انتحار أحمد،
ومحاسبة من تسبب في ذلك، ويدعو الحكومة ووزارة التربية والتعليم لمراجعة
هذه السياسات، والعمل علي تحسين أوضاع المدارس عن طريق وضع إستراتيجية
تهدف للإصلاح فعلاً، ووضعها موضع التنفيذ، وتوفير كافة الإمكانيات
والميزانيات التي تساعد علي تنفيذها.