[center]بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل السلام والتسليم،
أما بعد،
أختاه ! أختاه !
إن النقاب هو شئ عظيم أمر الله به نساء المسلمين ليصونهم و يعزهم ويجعلهم كالجواهر المكنونة التى لا تظهر إلا لصاحبها ولا تعرض على كل الناس.
وكل الأدلة من الكتاب والسنة تدل على أن النقاب فرض وأنه نزل في القرأن لأمة الإسلام وليس لنساء النبي فقط، فلا تتركي أى شخص مهما كان يشكك في صلاحية هذا الكلام واصبرى وصابرى واستمسكى بما أمرك الله به.
واليك هذه المحاضرة حبيبتى في الله.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إِن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هاد له، وأشهد أن لا إله إِلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله،
اللهم صلي وسلم و زد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعد،
فمرحباً مرحباً بأحبابي و إخواني في الله عز وجل، ومرحباً مرحباً بأخواتي الفضليات.
واسمحوا لى أن يكون هذا اللقاء رداً علمياً هادئاً على من حرَّم النقاب، وأضرع إِلى الله جل وعلا أن ينفع بهذا اللقاء وأن يجعله خالصاً لوجهه وأن يكون زاداً لنا يوم نلقاه:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} (آل عمران/30).
وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث في عدة عناصر:
أولاً: تحية وبشرى إِلى بنت الإسلام.
ثانياً: دعوة محدثة وأقوال خطيرة.
ثالثاً: كتاب تذكير الأصحاب في الميزان.
رابعاً: الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب.
خامساً: عتاب ودعوة.
سادساً: وأخيراً أيتها المنقبة.
أولاً: تحية وبشرى إِلى بنت الإسلام:
إِلى أصل العز والشرف والحياء، إِلى صانعة الأجيال ومربية الرجال، إِلى من تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها تهز المهد بيمينها وتزلزل عروش الكفر بشمالها، إِلى أختي المسلمة التي تصمد أمام تلك الهجمات الشرسة، وتصفع كل يوم دعاة التحرر و السفور بتمسكها بحجابها ونقابها، تحية وبشرى إِلى هذه القلعة الشامخة أمام طوفان الباطل والكذب، إِلى أختي الفاضلة التي تحتضن كتاب ربها وترفع لواء نبيها وهى تصرخ في وجوه المبتدعين قائلة: بيدي العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي.
إِليك أيتها الدرة المصونة، إِليك أيتها اللؤلؤ المكنون، أقدم لك التحية والبشرى من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عهد الغربة التالية التي تنبأ بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
في الحديث الذى رواه مسلم: "بدأ الإِسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء".[1]
طوبى لك يا بنت الإِسلام وهنيئاً لك يا صاحبة الحجاب، يا درة، حُفظت بالأمس غاليةً واليوم يبغونها للهو اللعب، يا حرة، قد أرادوا جعلها أَمة غريبة العقل، غريبة النسب.
هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب، وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب. أختاه لست ببنت التى لا درة لها، ولست مقطوعة مجهولة النسب، أنت ابنة العُرب والإسلام عشت به في حضن أطهر أم من أعز أبي.
أيتها الأخت الفاضلة الصابرة! لقد علم أعداء دينينا أن المرأة المسلمة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإِسلامي فراحوا يخططون لها في الليل والنهارلشل حركتها والزج بها في مواقع الفتنة وأعلنوها صريحاً في هذه المقولة الخطيرة: قال أحدهم كأس وغانية يفعلان في تحطم الأمة المسلمة أكثر مما يفعله ألف مدفع. فأغرقوها في حب المادة و الشهوات. ولقد عز عليهم أن تسود المسلمة من جديد على أمتها بالعلماء العاملين والمجاهدين الصادقين وصار همهم أن تصير المسلمة عقيماً لا تلد خشية أن تلد من جديد خالداً وصلاح الدين وابن تيمية وغير هؤلاء، ولذلك لم يرفعوا أيديهم عن أمتنا ويسحبوا جيوشهم العسكرية من بلادنا إلا بعد أن اطمئنوا أنهم خلَّفوا ورائهم جيشاً فكرياً جديداً أميناً على كل أهدافهم، وأطلقوا على أفراد هذا الجيش أضخم الألقاب و الأوصاف كالمحررين والمجددين والمطورين، وأحاطوا هذا الصنف بهالة من الدعاية الكاذبة تستر جهله و تغطى انحرافه وتنفخ فيه ليكون شيئاً مذكوراً، وتحدث حوله ضجيجاً يلفت إِليه الأسماع ويلوي إِليه العناق، وكل هذا في الحقيقة والله لا يجعل من جهله علماً ولا من فتوره تقوى ولا من بعده عن قلوب الناس قرباً، فهم كالطبل الأجوف يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خال، ومما يمزق الضمائر الحية أن يكون من بين هؤلاء بعض المتصدين للفتوى والمتخذين بصفة أهل العلم الشرعي الديني الذين يزورون لأهل الباطل وأعداء الدين أقوالاً عرشاء يتكئون عليها لينفذوا مآربهم من تغيير صفة هذه الأمة وتغيير وجهتها وقبلتها من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
وفي الحديث الذى رواه البخاري و مسلم، من حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إِن الله لايقبض العلم انتزاعاً –لا يقبض العلم انتزاعاً،ينتزعه من صدور الناس- و لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إِذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا".[2]
ولا حول ولا قوة إِلا بالله العلى العظيم.
ومما ابتلينا به في هذه الأيام بدعة محدثة خطيرة و قولة آثمة شريرة، ألا وهي القول بتحريم النقاب. تولى كبرها طبيب بيطري يرأس تخصصات الطب الشرعي والسموم بجامعة القاهرة، فانتبهن معي أيتها الفضليات إِلى العنصر الثانى والخطير من عناصر هذه المحاضرة، ألا وهو دعوة محدثة وأقوال خطيرة.
ثانياً: دعوة محدثة وأقوال خطيرة:
دعوة هى أوسع من الخضراء وأكبر من أن تضلها الخضراء، دعوة مخترعة محدثة، لم تسمع من قبل من أحداً من العلماء. دعوة فاسدة يغني فسادها عن اِفسادها، دعوة باطلة، يغنى بطلانها عن إِبطالها، إِنها دعوة أن المحجبة المنقبة آثمة، عاصية، مجرمة، مستحقة لعقاب الله وغضبه لسبب ارتدائها النقاب، وأن المتهتكة المتبرجة أفضل منها لأنها أقل ابتلاء وأقرب إِلى سواء السبيل.
إِن لله وإِن إِليه راجعون. هل سمعتم يا عباد الله قولة خطيرة على مدى التا ريخ كله كهذه القولة الجائرة الظالمة؟ النقاب! النقاب! لماذا يثير النقاب هذه البغضاء الكامنة في قلوب هؤلاء؟ لماذا لا يطيقون رؤية النقاب؟ لماذا يعلنون الحرب على الستر والعفاف؟ لماذا لا تكون هذه الحرب الهوجاء على التبرج والعري والعهر والكفر والإِباحية و العربدة تحت سيقان التطور والمدنية المظلم الأسود؟ لماذا لا تكون هذه الحرب الشعواء على المتبرجات، على الكاسيات، على العاريات، على المائلات، على المميلات اللاتي ينفثن سموم فتنتهن في قلوب الشباب والرجال بالليل والنهار؟
أصبحت المنقبة الطاهرة في عصرتبدلت فيه الحقائق وانقلبت فيه الموازين فصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، أصبحت المنقبة هى الآثمة، هى العاصية، هى المجرمة، والمتهتكة الخليعة المتبرجة هى الأقرب إِلى سواء السبيل!
رويداً رويداً ومهلاً مهلاً يا دعاة التبرج والسفور!
فأين حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذى رواه مسلم وأحمد، وهو من معجزات النبي الخالدة، من حديث أبى هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات روؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولايجدن ريحها وإِن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". [3]
وفي رواية الإِمام الطبراني:"العنوهن فإِنهن ملعونات".
أختاه فلا تبالي بما يلقون من شُبَه، وعندك العقل إن تَدعيه يستجب
سله من أنا من أهلي لمن النسب، للغرب أنا أم أنا للإِسلام والعرب
لمن ولائي لمن حبي لمن عملي، لله أم لدعاة الإِثم والكذب
وما مكاني في دنيا تموت بنا، في موضع الرأس أم في موضع الذنب
هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث، فاكسبي خيراً أو اكتسبي
سبيل ربك و القرآن منهجه، نور من الله لم يحجب ولم يغب
في ركبه شرف الدنيا وعزتها، ويوم القيامة نبعث ويوم نبعث فيه خير منقلب
هذه الدعوة الخطيرة، كان من الواجب على كل العلماء وعلى كل الدعاة أن يتصدوا لها. لماذا؟ لأنها اشتهرت وانتشرت وصادفها شريدة النور حيث لا نور، فرضتها على الناس فرضاً ولمدة تسعة أشهر كاملة.
وأخيراً تحولت هذه الفتوى إِلى كتاب كبير يعلن عنه في وسائل الإِعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. ومما يُألم القلب أن مجلة أكتوبر قد أجرت حواراً مع فضيلة المفتي بعنوان "مجرد غسيل مخ"، و زعم فضيلته أن النقاب ليس من الإِسلام في شيء ثم أثنى ثناءًً حميماً على مقالات تذكير الأحباب بتحريم النقاب، ووصفها بأن حجتها قوية و قاطعة. ونود أن نذكر فضيلة المفتي بما كتبه هو بيده في تفسيره هو للقرآن العظيم في سورة الأحزاب. فلقد فسر فضيلته آية الإِدناء بأنها تشمل تغطية الوجه من المرأة ولكن هذا الحكم الذى كتبه فضيلته كان قبل أن يتولى فضيلته منصب الإِفتاء.
نسأل الله الثبات على الحق، ونسأل الله حسن الخاتمة. إِنه ولي ذلك والقادرعليه.
وفي الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى عمرو جرير بن عبد الله أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من سن في الإِسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإِسلام سنة سيئة فعليه وزروها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ". [4]
إِليكم أيها المسلمون ويا أيتها المسلمات بعض الأقوال الخطيرة التى ذكرها صاحب هذا الكتاب لتشهدوا عليه و عليها أمام الله عز وجل إِن لم يتب إِلى الله و إِن لم يرجع إِلى الله في يوم سيعرض فيه الجميع على الله جل وعلا، في يوم لا ترتع فيه الكراسي الزائلة والمناصب الفانية، في يوم تنصب فيه الموازين وتتطاير الصحف وتقرأ الكتب.
وصدق الله إِذ يقول: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (الإسراء/14).
وصدق من قال: "تذكر وقوفك يوم العرض عريان مستوحشاً قلق الأحشاء حيران والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة، ورب العرش غضبان، اقرأ كتابك يا عبد على مهل، فهل ترى فيه حرف غير ما كان، فلما قرأت ولم تنكر قرآته وأقررت إقراراً من عرف الأشياء عرفان، نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشان، المشركون غداً في النار يلتهب، والموحدون بدار الخلد سكان."
نسأل الله يسترنا وإياكم في يوم الفضائح، إنه ولي ذلك ومولاه، وأن يجعل قولنا وعملنا خالصاً لوجهه، إنه سميع مجيب الدعاء. من أقواله الخطيرة، قوله في الصفحة رقم (226 و227) يقول: "إن المتبرجة أفضل من المنقبة"، اسمع لقوله:
- يقول لأن الأولى أي المتبرجة عاصية تعلم أنها عاصية، بينما التالية المنقبة عاصية تعلم أنها فاضلة. كما أن الأولى أي المتبرجة ليست عرضة للكبر و العجب المانعين من دخول الجنة بينما الثانية أي المنقبة أكثر عرضة لذلك، يقول فأيهما أحق بالإِشفاق وأيهما أقرب للتوبة وأيهما أولى بالإِستغفار؟
إن المنقبة -هذا قوله- إِن المنقبة تحتاج إلى أن نستغفر لها مرتين، بينما المتبرجة مرة واحدة لأنها أقل ابتلاءً وأقرب إِلى سواء السبيل. إِنا لله و إِنا إِليه راجعون.
وأنا أسأل كل منصف على ظهر الأرض، هل المنقبة التى غطت نفسها تماماً وتمشي على اِستحياء شاخصةًً ببصرها إِلى موقع قدمها، هى التى يتملكها العجب والكبر والغرور، أم المتبرجة التى خرجت تتفنن في عرض زينتها وفتنتها وجمالها وهى تقول بلسان الحال ألا تنظرون إِلى هذا الجمال؟ هل من راغب في القرب والوصال؟ إِنها تعرض جمالها في أسواق الشوارع والطرقات كما يعرض البائع المتجول سلعة. سأترك لك الجواب أيها المسلم وأيتها المسلمة.
- ومن أقواله التى أستدل بها على تحريم النقاب قوله في صفحة رقم (228 و 229) من كتابه، إِن المنقبة تشبهت ببعض طوائف أهل الكتاب، طوائف من الراهبات يلبسن مثل هذا النقاب.
وأنا أسألك أيها الكاتب لأني رأيت صورته على غلاف كتابه بلحية كبيرة كثة، نسألك هل يجوز أن تحلق لحيتك لأن بعض القساوسة قد أعفى وأطلق لحيته؟
- ومن أقواله الخطيرة التى أستدل بها أيضاً على تحريم النقاب قوله في صفحة (رقم 180 و181)، إِن تنقب عموم النساء أمر محدث في الدين، وكل محدث حرام ومردود، ولا يرد إِلا الحرام والخبيث، والحرام معروف حكمه، والخبيث في النار، و أصحابه هم الخاسرون، ثم يشير إِلى أن النقاب من هذا الخبيث ومن الخبائث ويستدل على ذلكبقول الله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (الأعراف 157).إِنا لله وإِنا إِليه راجعون.
- ومن أقواله الخطيرة أنه ادعى أن الصحابة -رضى الله عنهم- قد أجمعوا اجماعاً فعلياً أي عملياً على وجوب كشف الوجه كما يقول في صفحة رقم (227) وهذا و الله بهتان عظيم. فمن أين جاء بهذا الإِجماع؟ من أين جاء بهذا الإِجماع الخطير؟ إِنا لله وإِنا إِليه راجعون.
- ومن أقواله الخطيرة التي يستدل بها أيضاً على تحريم النقاب، قوله في صفحة رقم (37): الوجه أصل الفطرة والفطرة محمودة دائماً، وديننا هو دين الفطرة، ومن أدان الفطرة فقد أدان الإِسلام.
ما شاء الله! هذا الاستدلال المنطقي كقول من قال: كل فرار من العدو جبن، وكل جبن مصنوع من اللبن، إِذاً كل فرار من العدو مصنوع من اللبن.
- ومن أقواله الخطيرة التى يسخر فيها من العلماء، يسخر فيها من مصابيح الظلام، يسخر فيها من الأئمة الأعلام ومصابيح الظلام، ويتهم العلماء بالإِفلاس وعدم الفهم وقلة العقل، يقول في صفحة رقم (213)، انظر كيف يفعل الإِفلاس بأصحابه حين أصبحوا عاجزين عن الإِتيان بدليل شرعي يقيني واحد على مشروعية النقاب أو القفاز، فلما لم يجدوا الدليل ألجأهم العجز إِلى القصص والإِشاعات التي لا يعرف لها مصدر علمي، علهم يجدون فيها ما ينقذهم من الحرج الذى وضعوا أنفسهم فيه، إِنها رواية أشبه بما يُحكي عن أبي زيد الهلالي و الزير سالم و غيرهم. فهل يمكن الاحتجاج بما يقال فيه قال الراوي يا سادة يا كرام، فيقدم للناس على أنه من الدين الحديث؟ أسمعتم أيها الأحباب؟ إِلى هذا الحد من السخرية والإِستهزاء بأئمة الهدى ومصابيح الظلام.
- ثم يقول في الصفحة (225)، إِن كل مدافع عنه، أي عن النقاب، عاجز تماماً عن الإِتيان بدليل شرعي واحد يعتد به على جواز التمسك به، وأن الذين زينوا للعوام الجهلة فعل التنقب ولبس النقاب إنما هم في أكثرهم نقلة صحف لا يفقهون ما ينقلون ولا يعقلون ما يكتبون، وفي أقلهم حفظة يرددون ما يحفظون دون أن تترسخ لهم قدم فيحسبون أنهم على شئ من العلم بدقائق الشرع الشريف الحنيف وهم واهمون لأنهم عادة متحمسون وأن للمتحمسين أن يحسنوا الحياك في العلم والموضوعية في البحث. هكذا أيها الأحباب تتضح روح الكاتب تماماً. نسأل الله العافية.
العلماء الأجلاء و ورثة الأنبياء في نظر هذا الكاتب، نقلة صحف، لا يفقهون ما ينقلون ولا يعقلون ما يكتبون. فإِلى الله المشتكى. والله المستعان. ونسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة.
- ومن أقواله التى تفوح منها هذه الروح أيضاً قوله في عدد (28/1 /1411) من جريدة النور، قال: "وقد صدق ظني عندما أصدرت كتابي عن النقاب، و هذا بحمد الله تعالى من أنه لا يستطيع نقده أو الرد على بعض ما فيه فليست العصمة إِلا للأنبياء إِلا واحد من اثنين إما الألبانى العلامة المشهور وإِما ابن باز العالم الكبير -هذا على حد تعبير الكاتب- وإِنى أتشوق لذلك، و إِن كنت أتوسم لفضل الله تعالى أن أدافع عن ما يوجه إِلي منهما..." إِلى آخر كلامه.
وسوف أرد عليه بكلام مصباحي الدجى و مجددي شباب الأمة بكلام شيخنا الألباني وشيخنا ابن باز في موضعه بإِذن الله جل وعلا.
- ثم تعلن هذه الروح عن نفسها صراحة فيقول في عدد (2/ 4/1411) من جريدة النور، يقول: "إِننى أطلب من علماء الكرة الأرضية بقاراتها السبع، أن يأتي واحد منهم بدليل واحد على كون النقاب من الإِسلام"، وسوف آتيه بعشرات الأدلة بإذن الله جل وعلا.
وأكتفي أيها الأحباب بذكر هذه الأقوال وإِلا فهي خطيرة كثيرة تبعثرت في الكتاب كله، فيشهد الله فقد ضاق صدري وتألمت نفسي.
و كفى وصدق الله جلا وعلا إذ يقول {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} (يوسف 18).
هذه بعض الأقوال التى ذكرها الكاتب، سأترك للمسلم و المسلمة أن يحكم على هذه الأحوال الخطيرة وليشهد بها و عليها أمام الله تعالى عز وجل في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إِلا من أتى الله بقلب سليم، و نسأل الله العفو والعافية.
العنصر الثالث من عناصر هذه المحاضرة: كتاب تذكير الأصحاب في الميزان.
ثالثاً: كتاب تذكير الأصحاب في الميزان:
أيها الأحباب! أيتها الفضليات! إِن نظرة سريعة للكتاب تضحك وتبكي في آن واحد. نعم. فالكاتب الذي يقول دائماً كما هو مقرر في الأصول، لا يحسن معنى الدليل، ولا يحسن مراتب الأدلة، ويجعل قواعد الجمع و الترجيع ويسئ فهم قواعد علم الأصول، ومن ذلك حتى لا يضل أحد أننا ندعي ذلك جزافاً،
أولاً أن الكاتب لا يعلم كيف يستفاد الحكم بالتحريم. فمعلوم أن الحرام كما يقول الدكتور زيدان في كتابه "القيم الوجيز في أصول الفقه"، يقول الحرام هو ما طلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم و الإِلزام فيكون تاركه مأجوراً مطيعاً وفاعله آثماً عاصياً سواء كان دليله قطعياً لا شبهة فيه كحرمة الزنا أم كان دليله ظنياً كالمحرمات في الأحاديث.
فيقول: أى الدكتور زيدان -حفظه الله- "ويستفاد الحكم بالتحريم".
انتبه و انتبهن أيتها الفضليات "ويستفاد الحكم بالتحريم"، من استعمل لفظ يدل على التحريم بمادته كلفظ الحرمة أو نفي الحل كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} (النساء/23).
وكقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرء مسلم إِلا بطيب نفس منه"، رواه البيهقي والدارقطي
أو "يستفاد الحكم بالتحريم" من صيغة النهي المقترنة بما يدل على الحتم:
كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} (الحج/30).
كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة/90).
أو "يستفاد الحكم بالتحريم" من تركيب العقوبة على الفعل:
كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور/4).
وكقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (النساء/10).
والشرع الحكيم، ومازال الكلام للدكتور زيدان حفظه الله، والشرع الحكيم لم يحرم شيئاً إِلا لمفسدته الخالصة أو الغالبة، وهذه المفسدة إِما أن ترجع إِلى ذات الفعل المحرم وهذا هو المحرم لذاته أو لعينه، وإِما أن ترجع المفسدة إِلى أمر اتصل بالفعل المحرم، وهذا هو المحرم لغيره كالصلاة أو كالأرض المغصوبة أو كالبيع في وقت صلاة الجمعة، فالبيع مثلاً في هذه مباح و لكن لوقوعه في وقت صلاة الجمعة وإِعاقته عن السعي إِلى أداء صلاة الجمعة جاء النهي عنه من الشرع الحكيم.
هذه هى قواعد علم الأصول التى تعلمناها من علمائنا ومشايخنا والتى يستفاد منها الحكم بالتحريم.
فأين هذه القواعد من هذه الفتوى الجائرة الظالمة لتحريم النقاب؟ كيف فهم الكاتب وطبق الكاتب هذه القواعد التى يستفاد منها الحكم بالتحريم؟
اسمعوا واستمعن! هل ورد نص بلفظ حرمة النقاب؟ هذه هى قواعد علم الأصول التى يستفاد منها الحكم بالتحريم. هل ورد نص بلفظ حرمة النقاب أو هل ورد نص بنهي الحل عن النقاب أو هل ورد نهي من الشرع عن ارتداء النقاب سواء على سبيل التحريم أو حتى على سبيل الكراهة التنبيهية أو هل ورد نص يحتم العقوبة على من تلبس النقاب؟ أجيبوا! أجبنا أيها الكاتب !
ومما يزيد الأسى أن الكاتب لا يعرف الفرق بين النقاب و الحجاب. نعم لا يعرف الفرق اللغوي بين معنى النقاب والحجاب. فهو يقول إِن كلامنا عن النقاب أفضل من كلامنا عن الحجاب لأن الأول أي لأن كلامنا عن النقاب يدرء فتنة أما الثاني أي كلامه عن الحجاب يقول فيجلب المصلحة و معلوم أن درء الفتن أو المفاسد مقدم على جلب النعم أو المصالح كما هو محرم في الأصول، وليعلم الكاتب أن الحجاب أشمل وأعم من النقاب، والنقاب جزء من الحجاب الشرعي أو صورة من صور الحجاب الشرعي. فليتعلم معنى النقاب ومعنى الحجاب ليطبق القاعدة التي ذكرها آنفاً لعلم الأصول تطبيقاً صحيحاً. وإِنا لله وإِنا إِليه راجعون.
ثانياً: إِن الكاتب، وهذا أمر خطير، إِن الكاتب استحل واستباح التدنيس والتلبيس والتحريف والمغالطة ولم يكن أميناً في نقل أدلة ما خالفه من العلماء، بل كذب على العلماء وافترى على العلماء وقال عليهم ما لم يقولون. لا ندعي ذلك جزافاً. من مظاهر ذلك أنه دلَّس عن شيخ الإِسلام بن تيمية و كذب عليه: فالكاتب يقول في صفحة رقم (171)، يقول:
قال بن تيمية رحمه الله في "الصراط المستقيم":
"ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأول على أهل الذمة أن تكشف نسائهم عن ساقهن وأرجلهن لكى لا يتشبهن بالمسلمات"، ثم يعلق الكاتب ويقول: ويفهم هذا ما يفهمه الكاتب، ويفهم من كلام بن تيميه -رحمه الله- أن الوجه لنساء المؤمنين لم يكن مغطى.
وهذا عين الكذب على شيخ الإِسلام بن تيمية -رحمه الله-. كيف فهم الكاتب هذا؟ و من أين جاء بهذا الفهم وهو يعلم -وأنا واثق من ذلك- أن شيخ الإِسلام بن تيمية من أوائل من يقولون بوجوب النقاب وبوجوب ستر الوجه حيث يقول شيخ الإِسلام في آية الحجاب، أي في قول الله تعالى: {أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب/59)،يقول شيخ الإِسلام بن تيمية -رحمه الله-: والجلباب هو الملاءة، وهو يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإِزار، وهو الإِزار الكبير الذى يغطي رأسها وسائر بدنها.
وقد حكى عبيدة السلمانى وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إِلا عيناها، و من جنسه النقاب، فكان النساء ينتقبن. ففي الصحيح إِن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس قفازين. فإِذا كن، أي النساء، مأمورات بالجلباب وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب كان حين إِذٍ الوجه واليدان من الزينة التى أمرت ألا تظهرها للأجانب. هذا كلام شيخ الإِسلام بن تيمية بنصه من مجموع الفتاوى (المجلد 22) في صفحة رقم (110 و 111) ليتبين لكم أيها الأحباب وأيتها الفضليات كيف سمح هذا الكاتب لنفسه أن يكذب على شيخ الإِسلام بن تيمية، وأن يقول عنه ما هو بريء به، ما هو بريء عنه براءة الذئب من دم بن يعقوب.
وقد أوهم الكاتب أيضاً القراء الذين يقرأون كتابه، الذين لا حظ لهم من علم الأصول أو من الفهم الدقيق، أوهمهم بأن الإِمام بن القيم -رحمه الله- يتهم أو يصف النقاب بالغلو والتشدد و التكلف، فيأتي الكاتب بينما يتكلم هو، أي الكاتب، عن النقاب ويصف النقاب بأنه هو غلو و تنطع وتشدد، يأتي ببعض الألفاظ التى قالها الإِمام بن القيم ليرد بها على أهل الغلوو التنطع ويأتي بها الكاتب ليصف بها مايقوله هو بأن النقاب تنطع و غلو ليوهم الناس بأن هذه الكلمات التى ذكرها الإِمام بن القيم إِنما يصف بها النقاب و أنه من الغلو و التنطع و التشدد، ومعلوم أن الإِمام بن القيم يقول بوجوب النقاب كما في "إِعلام الموقعين" في الجزء الثانى في فصل الفرق بين النظر إِلى الحرة والأمة.
ويوهم الكاتب أن الإِمام القرطبي يوافقه في مذهبه من تخصيص الحجاب لأمهات المؤمنين -رضى الله عنهن- فيقول الكاتب في صفحة رقم (147)، بهذه الروح العجيبة التى أشرنا إِليها آنفاً، يقول: "وقد فهم القرطبي هذا المعنى الأساسي مثلما ذهبنا إِليه تماماً".
سبحان الله القرطبي هوالذى فهم ما ذهب إِليه الكاتب! مع أن الإِمام القرطبي -رحمه الله- يقول في تفسير نفس السورة في آية الحجاب، يقول: "ويدخل في ذلك أي في عموم الحجاب لجميع البدن جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة".
هذا قول الإِمام القرطبي الذي أوهم الكاتب أنه وافقه في مذهبه في تخصيص أمهات المؤمنين بالحجاب وحدهم -رضى الله عنهن-.
ثم يكذب الكاتب على العلماء الذين قالوا بأن الحجاب ليس خاصاً بأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدهن، وهم كثرة كما سنرى، ليأتي بهذا الإِجماع الغريب العجيب فيقول في صفحة رقم (23): "وقد ثبت فيما لا يدعو مجالاً للشك أن النقاب خاص بأزواج النبي وحدهن -ثم يقول- أجمع إجماع - آه يا أحباب! انتبهوا! إِجماع؟ من أين جاء به؟ والله إِنه هو عين الكذب على من قال بأن تخصيص الحجاب لزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدهن ليس صحيحاً على الإِطلاق كما سنرى لردنا بالأدلة الشرعية على ذلك. يقول:- أجمع على ذلك المؤيدون لتعميمه والمعارضون". وهذا بهتان عظيم.
و أيضاً بضيق الصدر وتألم النفس وإِلا فوالله لو وقفنا مع كل صفحة من صفحات هذا الكتاب لرددنا عليه. فتعالوا بنا أيها الأحباب و أيتها الفضليات إِلى العنصر الرابع من عناصر هذه المحاضرة وهو:
رابعاً: الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب:
الدليل الأول: آية الإِدناء وهي قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب/59).
يقول والدنا الكريم وشيخنا الحبيب الشيخ بن باز حفظه الله،ولقد تعمدت أن أبدأ بقوله لأن الكاتب قد طلب أن يرد عليه الشيخ بن باز أو الشيخ الألبانى، يقول شيخنا بن باز، واسمع أيها الكاتب، يقول في هذه الآية في كتاب: "ثلاث رسائل للحجاب" صفحة رقم (7)، يقول شيخنا: أمر الله، والأمر صيغة من صيغ الوجوب كما تعلمنا في علم الأصول، أمر الله سبحانه، يقول الشيخ أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإِدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة... إِلى آخر كلامه -حفظه الله-، فالشيخ أيها الكاتب يقول بوجوب النقاب لأن الأمر صيغة من صيغ الوجوب.
فقال الشيخ المودود -رحمه الله- في هذه الآية أي في آية الإِدناء صفحة رقم (152)، يقول و الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب/59)، يقول الشيخ المودود: نزلت خاصة في ستر الوجه، ثم يقول ومعنى الآية بالحرف أن يرخين جانباً من خمورهن أو ثيابهن على أنفسهن، وهذا هو المفهوم من ضرب الخمار على الوجه والمقصود به ستر الوجه واِخفائه سواء كان بضرب الخمار أو بلبس النقاب أو بطريقة أخرى.
ثم يقول الشيخ المودود -رحمه الله- في صفحة رقم (330): وإِن الوجه هو المظهر الأكبر للجمال الخلقي والطبيعي في الإِنسان، فهو أكثر مفاتن الجمال الإِنساني جذباً للأنظار واستهواء للنزعات، ثم هو العامل الأقوى للجاذبية الجنسية بين الصنفين.
ويقول شيخنا الحبيب بن العثيميين -حفظه الله- في "ثلاث رسائل في الحجاب" وفي "رسالة قيمة"، توجيهات للمؤمنات حول التبرج والسفور، يقول في الصفحة رقم (17 و 18) من "الرسالة القيمة"، يقول لقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والنظر الصحيح، والإِعتباروالميزان على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها. ثم يقول وإِذا تأمل العاقل المؤمن هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين أنه لا يمكن أن تلزم، أي الشريعة، المرأة بستر الرأس والعنق والذراع و الساق والقدم ثم تبيح للمرأة أن تخرج كفيها ووجهها المملوء جمالاً وتحسيناً، فإِن ذلك خلاف الحكمة... إِلى آخر كلامه -حفظه الله-.
و يقول العلامة القرآني الشيخ الشنقيطى -رحمه الله- في آية الإِدناء، يقول: وفي الآية الكريمة قرينة واضحة على أنقوله تعالى: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِن} يدخل في معناه ستر وجوههن بإِدناء جلابيبهن عليها، والقرينة المذكورة هى قوله تعالى: {قُل لِّأَزْوَاجِكَ }. ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن لا نزاع فيه بين المسلمين بل هذا مما يتصل إِليه الكاتب.
يقول الإِمام الشنقيطي: فذكر الله تعالى الأزواج مع البنات مع نساء المؤمنين في آية واحدة وفي حكم واحد يدل على وجوب ستر الوجوه بإِدناء الجلابيب. فكيف تستقيم دعوة الخصوصية والله تعالى يقول: {وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ}؟ فهذا واضح جدأً.
ويقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن خلف -حفظه الله- في كتابه القيم "نظرات في حجاب المرأة المسلمة" في صفحة رقم (48) في الهامش، يقول عن آية الإِدناء: لو لم يكن من الأدلة الشرعية على منع كشف الوجه إِلا هذا النص من الله تعالى لكفى به حكماً موجباً لأن الوجه هو العنوان من المرأة لمعرفتها من الناحية الشخصية ومن الناحية التى تشبع الفتنة، ثم يقول وهذا الأمر يقتضي الوجوب ولا يوجد أي دليلاً ينقله من الوجوب إِلى الإِستحباب أو الخيار.
ويقول شيخ المفسرين بن جرير الطبرى -رحمه الله- في تفسير آية الإِدناء في سورة الأحزاب، قال علي بن أبى طلحة، عن بن عباس -رضي الله عنهما-، أمر الله نساء المؤمنين -واحفظوا هذا القول لبن عباس -رضى الله عنهما- لأنه سيفترى عليه قول آخر، يقول: قال على بن أبى طلحة عن بن عباس
-رضى الله عنهما- أمر الله نساء المؤمنين إِذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق روؤسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
ويقوي هذا الإِسناد ما صح عن بن سيرين، قال، أي بن سيرين: سألت عبيدة السلماني، وعبيدة السلماني هو التابعي الجليل الفقيه العَلم، آمن في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل المدينة في عهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ولم يزل عبيدة بالمدينة حتى مات - رحمه الله- ولو علمت ذلك عن هذا التابعي لعلمت أنه إِن فسر آية الإِدناء تفسيراً عملياً وفعلياً وواقعياً، فهو يوضح ما كان نساء الصحابة -رضى الله عنهن جميعاً- يقول بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ} (الأحزاب/59).
يقول: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجه و أبرز ثوبه عن إِحدى عينيه.
هذه صورة فعلية عملية من تابعي جليل عاش بالمدينة المنورة في زمن عمر -رضى الله عنه- إِلى ما بعده، وهو يوضح فعل الصحابيات وما كن عليه -رضى الله عنه- . إِلى الله المشتكى والله المستعان على ما قيل كذباً على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أنهم أجمعوا إِجماعاً فعلياً على وجوب كشف الوجه والكفين. ولاحول ولا قوة إِلا بالله العلى العظيم!
ويقول الإِمام الرازي في آية الإِدناء أيضاً: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب، وإِظهار الستر و العفاف عند الخروج لألا يطمع أهل الريب فيهن".
وهكذا قال كثير من أهل العلم أيها الأحباب بوجوب النقاب كما سمعتم آنفاً إِلى أقوالهم القيمة الطيبة. ولولا أننى أخشى الإِطالة لذكرت كل أقوالهم مفصلة ولكننى سأكتفي بذكر مزيد من أسماء هؤلاء الأئمة والعلماء مشيراً فقط إِلى المصدر الذى ورد فيه قولهم بوجوب النقاب أو بوجوب ستر الوجه.
من هؤلاء العلماء الذين قالوا بوجوب ستر الوجه:
- الإِمام القرطبي في "جامع الأحكام القرأن الكريم" في سورة الأحزاب آية (59).
- ومنهم الإِمام البغوي في "معالم التنزيل" في تفسيره سورة الأحزاب آية (59).
- ومنهم الإِمام الزمخشري في"الكشاف" في تفسيره سورة الأحزاب آية (59).
- ومنهم الإِمام البرجوزي في "زاد المسير في علم التفسير" في تفسيره سورة الأحزاب آية (59).
- ومنهم الإِمام البيضوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" في تفسيره سورة الأحزاب آية (59) وبه أيبوجوب ستر الوجه. قال الإِمام في مدارك التنزيل وحقائق التأويل في تفسيره سورة الأحزاب وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- ومنهم الإِمام بن حيان الأندلسي في "البحر المحيط" في تفسيره سورة الأحزاب آية (59).
- وبه قال الحافظ بن كثير في تفسيره سورة الأحزاب، ذاكراً عبيدة السلماني -رحمه الله- وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال الإِمام الخطيب الشربيني في "السراج المنير" في تفسيره سورة الأحزاب.
- وبه قال شيخ السلام بن تيمية في تفسيره سورة النور وغيرها وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال الإِمام بن القيم في "إِعلام الموقعين"، الجزءالثاني، في فصل الفرق بين النظر إِلى الحرة والأمة، وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال الإِمام بن حزم في "المحلى"، في الثالث، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر -رحمهم الله- وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال العلام بن الشوكاني في "فتح القدير الجامع بين فني الروآية والذوات في علم التفسير" في تفسيره سورة الأحزاب وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال العلامة الألوسي في "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى" في تفسيره سورة الأحزاب.
- وبه قال العلامة الشام محمد جمال الدين القاسم في "محاسن التأويل" في تفسيره سورة الأحزاب
وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال العلامة القسيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في "تيسير كريم الرحمن في تفسير كلام المنان" في تفسيره سورة الأحزاب.
- وبه قال الدكتور محمد محمود حجازي في تفسير الواضح في تفسيره سورة الأحزاب.
- وبه قال شيخنا أبو بكر الجزائري -حفظه الله- في أيسر التفاسير لكلام العلى الكبير في تفسيره سورة الأحزاب وبه أي بوجوب ستر الوجه.
- قال فضيلة الشيخ صالح بن إِبراهيم البليهي -رحمه الله- في كتابه "الطيب".
يا فتاة الإِسلام اقرأي حتى لا تخدعي. وأعتقد أيها الأحباب أن هذا يكفي رداً على قول الكاتب وتحديه لكل علماء الكرة الأرضية على أن يأتي عالماً واحد بدليلاً واحداً على كون النقاب من الإِسلام.
وصدق الله جل وعلا إِذ يقول {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}(الحج/46).
وصدق من قال:
إِن الحجاب الذين به مكرمة، لكل مسلمة ماعابت ولم تعب
نريد منها احتشاماً عفة أدب، وهم يريدون منها قلة الأدب
يا رب أُلفى لها عزم لها أدب، فاقت رجال بلا عزم بلا أدب
ويا لقبح فتاة لا حياء لها، وإِن تحلت بغالي الماس والذهب
الدليل الثانى: آية الحجاب وهى قول الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب أيضاً: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب/53).
هذه آية التي تسمى بآية الحجاب قد نزلت في ذو القعدة في السنة الخامسة من الهجرة، وهو نص واضح في وجوب تحجب النساءعن الرجال وتسترهن منهم، وهذا لا خلاف فيه بنص الآية ولكن الذي يحتاج إِلى البحث قول الكاتب: إِن هذه الآية بما تحمله من حكم وجوب الحجاب خاصة بأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- فقط دون غيرهن من النساء.
يقول الإِمام القرطبى:
في الجامع لأحكام القرأن الكريم ومما يؤيد عموم آية الحجاب وأنها ليست خاصة بأمهات المؤمنين
-رضي الله عنهن- قوله تعالى بعدها:
{ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} (الأحزاب/55).
ويقول العلامة القرآني الأمين الشنقيطي -رحمه الله-:
و في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء لا خاص بأزواجه -صلى الله عليه وسلم-، وإِن كان أصل اللفظ خاصاً بهن لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب/53) هو علة قوله تعالى:{فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (الأحزاب/53)، وهو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإِماء والتنبيه.
وقال الشيخ حسنين مخلوف -رحمه الله- مفتي مصر سابقاً في تفسيره "صفوة البيان لمعاني القرأن"، يقول: وحكم نساء المؤمنين في ذلك، حكم نسائه -صلى الله عليه وسلم-.
ويقول الأستاذ محمد أديب -حفظه الله-في كتاب "فقه النظر في الإِسلام"، يقول: فإِن قال قائل إِن هذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين، وقد نزلت في حقهن، قلت إِنها و إِن كانت خاصة بنساء النبي من جهة السبب، فهى عامة من جهة الأحكام لأن العبرة بعموم اللفظ.
ثم يقول فاِدعاء أنها خاصة بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينهض حجة لأن الإِستثناء في آية: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} (الأحزاب/55) عام، وهو فرع من الأصل وهوالحجاب، فدعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع وهو غير مسلم.
ويقول الشيخ سعيد الجابي - رحمه الله-في كتابه "كشف النقاب": وإِذا كانت نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- المطهرات من السفاح، المحرمات علينا بالنكاح، الموصوفات بأنهن أمهات المؤمنين، قد أمرن بالحجاب طهارة لقلوبهن وقلوب أبنائهن المحرم عليهم نكاحهن، فما نقول في غيرهن المحللات لنا بالنكاح المتطلع لهن أهل السفاح؟ هل يجوز لهن أن يكن سافرات غير منتقبات وبارزات غير محجبات؟
ويقول الأستاذ محمد أديب -حفظه الله-:وقوله تعالى { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب32/33)، يقول إِنها وصايا ربانية و أوامر إِلاهية، فأي منها لا يتصل بعامة النساء المسلمات؟ وهل النساء المسلمات لا يجب عليهن أن يتقين الله أو قد أبيح لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟ ثم هل ينبغي لهن أن يتركن الصلاة و يمنعن الزكاة و يعرضن عن طاعة الله ورسوله؟ وهل يريد الله أن يتركهن في الرجس؟ فإِذا كانت هذه الأوامر والإِرشادات عامة لجميع المسلمات، فما المبرر لتخصيص ما ورد في سياق مخاطبة أمهات المؤمنين من قرار في البيوت وملازمة للحجاب وعدم المخالطة الأجانب بهن خاصة؟
نعم ما هو الدليل على أن هذه التكليفات و الأوامر خاصة بزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدهن؟
وهكذا يا أيها الأحباب وأيتها الفضليات، فدليل الأولويات واضح وضوح الشمس في هذه الآيات الكريمات، وهو أن أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوباً وأعظمهن قدراً في قلوب المؤمنين ومع ذلك أمرن بالحجاب طلباً لتزكية قلوب الطرفين، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر وأولى بهذا التكليف.
وقال الشيخ عبد العزيز بن خلف -حفظه الله- لم يرد في آية النور وآية الأحزاب أي تخصيص لأزواج النبي لما قضت به من الأحكام، فهى أحكام عامة للمسلمات من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إِلى يوم القيامة، و إِن من الزعم الباطل أن يقال إِن آية الحجاب خاصة بأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- إِلى آخر ما ذكره في كتابه "نظرات في كتاب حجاب المرأة المسلمة" في صفحة رقم (92 93) -حفظه الله-.
ويقول شيخنا أبو بكر الجزائرى -حفظه الله-في كتابه "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" صفحة رقم (34 35)، يقول: ومن عجيب القول أن يقال أن هذه الآية نزلت في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فهى خاصة بهن دون باقى نساء المؤمنين.
إِذ لو كان الأمر كما قيل لما حجب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسائه، ولما كان لإذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخاطب أن ينظر لمن يخطبها معناً أبداً، وهذا واضح وضوح الشمس في ضحاها، ولولا أنني أخشى الإِطالة لتعاملت مع هذا الدليل، ولذكرت أقوال أهل العلم مفصلة كما تعاملنا مع الدليل الأول في آية الإِدناء.
الدليل الثالث: قول الله تعالى في سورة النور:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور/31).
ويستدل العلماء بثلاث مواضع من هذه الآية الكريمة على وجوب الحجاب.
الموضع الأول هو قول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور 31):
يقول شيخ الإِسلام بن تيمية -رحمه الله-:
وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين؛ زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة، و جوز لها، أي للمرأة، ابداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إِلا للزوج و ذوي المحارم.
وصح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنهقال{ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال بن مسعود: الثياب، و اسناده في غاية الصحة، رواه بن جريرالطبري، وبن أبي شيبة، والحاكم بن طريقه، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وأما ما ينسب إِلى بن عباس -رضي الله عنهما- لأنه فصَّل الزينة الظاهرة بالوجه والكفين لايصح بحال اسناده إِلى بن عباس -رضي الله عنهما- هذا الأثر المروي عن بن عباس أخرجه الإِمام بن جرير الطبري في تفسيره والإِمام البيهقي في السنن الكبرى.
فانتبه معى وانتبهن معى أيتها الفضليات لنتعرف على صحة هذين الإِسنادين من عدمها:
الطريق الأول: قال الإِمام بن جرير الطبري، حدثنا أبو قري، قال حدثنا مروان، قال حدثنا مسلم المولائي، عن سعيد بن الزبير، عن بن عباس -رضى الله عنهما- قالا: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال بن عباس: الكحل والخاتم.قال الشيخ عبد القادر:قلت اسناده ضعيف جداً بل هو منكر.
قال الإِمام الذهبي في ترجمة مسلم الولائي الكوفي: متروك الحديث.
وقال عنه يحيي:ليس بثقه.
وقال البخاري: يتكلمون فيه.
وقال يحيي أيضاً: زعموا أنه اختلط.
وقال النسائي:متروك الحديث.
قال الشيخ السندي:هذا الاسناد ساقط لا يصح للمتابعات والشواهد كما لا يخفي على أهل هذا الفن.
الاسناد الثانى: الذى ورد في السنن الكبرى للإِمام البيهقي: قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمر، قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا ح
الإثنين يوليو 02, 2012 8:14 pm من طرف روفيدة عواد